Alienum phaedrum torquatos nec eu, vis detraxit periculis ex, nihil expetendis in mei. Mei an pericula euripidis, hinc partem.

حصار غزة في 2019: سجن المليون طفل فلسطيني

هل تذكرون قصة عبد الرحمن نوفل؟

ذلك الطفل الطموح البالغ من العمر 12 عامًا، الذي كان يلعب كمهاجم كرة قدم مع أبناء عمومته حينما سحقت رصاصة قناص إسرائيلي ساقه اليسرى في أبريل الماضي.

وهل سمعتم بقصة محمد أبو حسين؟

ذلك الطفل اليتيم ذو 13 عامًا، الذي استشهد والده إثر قذيفة إسرائيلية عام 2006، وبترت ساق أخيه في أول يوم في مسيرة العودة الكبرى، الذي لم يسلم أيضا وطالت ساقه اليمنى رصاصة قناص إسرائيلي غادرة في يوم 29 يونيو من العام المنصرم، وأدت إلى بترها من فوق الركبة.

وهل سمعتم بقصة وصال الشيخ خليل؟

تلك الطفلة المرحة الشجاعة، البالغة من العمر 14 عامًا، التي كانت تحب الرقص والحياة كما أخبرتنا أسرتها، التي أصيب برصاصة قاتلة في الرأس من قناص إسرائيلي جبان في 14 مايو الماضي.

ربما سمعت بمأساة هؤلاء الأطفال، وربما لم تسمع بقصصهم بعد. في كلتا الحالتين، فلن تدرك جميع أسماء الأطفال الفلسطينيين وحكاياتهم الأليمة، لأنك لن تحيط بهم علمًا، فلكل حكاية لا ترويها الكلمات، ولكل طفل في غزة صدماته ومعاناته الخاصة، فهم مليون طفل، وجميعهم يعيشون في سجن غزة. فما من طفل إلا وتعيش في ذاكرته مشاهد القصف والرعب والدمار والقتل الذي تعرضت وتتعرض له غزة حتى هذه اللحظة، وما من طفل إلا وذاق الحسرة والألم باكرًا في حياته، فمنهم الشهيد ومنهم الجريح ومنهم من يعيش بإعاقة دائمة خلفتها آلة القتل الصهيونية.

لماذا غزة سجن المليون طفل؟!

لقد أظهرت الإحصائيات الديمغرافية الأخيرة، كما صرح بها الأطباء، ورجال الإسعاف، والصحفيين منذ وقت طويل، أن معظم سكان غزة هم من فئة الشباب. في الحقيقة، يشكل الأطفال الأغلبية الساحقة من تعداد سكان سجن غزة المفتوح.

حسب تقارير جهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2016، يشكل الأطفال نسبة 49.6 % من سكان قطاع غزة وبمتوسط عمر العمر الوسيط هو 17 سنة، وبنسبة أقل في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة ككل. إذا اعتبرنا أن غزة لديها معدل نمو سكاني يبلغ 3 % سنويًا، من بين أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، فسيكون في المستقبل القريب، هذا إن لم يكن، ما يزيد عن 50 % من تعداد سكان قطاع غزة تحت سن 18 عامًا، مع الأخذ في عين الاعتبار صعوبة الوصول إلى إحصائيات دقيقة في مكان محاصر كغزة.

ماذا تخبرنا هذه الحقيقة الديمغرافية عن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 12 عامًا؟

تخبرنا أن العقاب الجماعي الذي تمارسه إسرائيل على قطاع غزة لا يؤثر بشكل أساسي على حماس وعناصرها، ولا حتى على العاطلين عن العمل، ولكن على الأطفال في المقام الأول. وكما أشرنا يصنف أكثر من 40 % من سكان قطاع غزة تحت سن 15 عامًا.

Portrait of a Palestinian girl in Khan Younis, Gaza Strip. Image by Val_Yankin via Shutterstock.com

هؤلاء الأطفال الذين تقتصر ذكرياتهم على الحدود الجغرافية للحصار البري والبحري الظالم لقطاع غزة، الذين تجبرهم ذكرياتهم على استذكار ويلات المجازر واستحضار مآسي الجرائم خلال الحملات العدوانية العسكرية الهمجية ذات الطابع الاقتصادي، والتي شنتها دولة الاحتلال الصهيوني ضد طفولتهم. هؤلاء الأطفال شهدوا معظم الهجمات العسكرية البربرية واسعة النطاق بدءًا من عملية “الرصاص المصبوب 2008″، ومرورًا بعملية “عمود السحاب 2012″، وانتهاءً بالعملية الأكثر دمويةً وإجرامًا “الجرف الصامد 2014”. وتسمى هذه المجازر الفاضحة ضد الإنسانية بإستراتيجية “جز العشب” على لسان كبار السياسيين الإسرائيليين أمثال “نفتالي بنت”. هؤلاء الأطفال الذين عركتهم الحياة تحت وطأة الحصار الإسرائيلي المجحف، الذين نشأوا في هذا السجن المفتوح بعد أن ضيق الاحتلال الخناق على طفولتهم.

وكما هو معلوم للجميع، يعيش الأغلبية العظمى من فلسطينيي غزة في فقر مدقع، حيث يعتمد 80 % منهم على المساعدات التموينية التي تقدمها الأمم المتحدة، فضلاً عن الكارثة الصحية التي تتعلق بالمياه حيث أن 96 % منها غير صالحة للشرب، وأما الكهرباء فهي زائر خفيف الظل لا يكاد يراها الناس في غزة إلا لساعات قليلة جدًا. ووصلت الوقاحة بالمستشار الإسرائيلي “دوف فايسغلاس” أن يهزأ بمعاناة شعب كامل بوصفهم “دفعناهم لاتباع حمية غذائية” على حد تعبيره. ولو أحصينا ما خلفته المذبحة الصهيونية التي استمرت لمدة 7 أسابيع في صيف 2014 وحدها، فسترعبك الأرقام، قتل فلسطيني من بين كل 1000 إنسان، وخطف أرواح 546 زهرة من الأطفال، أما حجم الخراب والضرر المادي الذي أصاب أجزاء كثيرة من مدن غزة فهو كارثي ومدمر، وخصوصًا مؤسسات الصحة والتعليم، حيث لحقت الأضرار الجزئية بـ 252 مدرسة و7 مدارس دمرت تدميرًا كاملًا.

وماذا تخبرنا هذه الحقيقة الديمغرافية عن التزام إسرائيل القانوني باتفاقيات حقوق الطفل؟

في عام 1991، صادقت إسرائيل على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي تنص على تمتع جميع الأطفال بالحقوق الأساسية في الحياة والبقاء والنمو، وحمايتهم من العنف، وتوفير التعليم الذي يمكّنهم من تحقيق ذواتهم. لكن أين هي إسرائيل من هذه الاتفاقية؟ نعم، تلتزم إسرائيل بكل ما يناقض هذه الاتفاقية وتمنح الأطفال الفلسطينيين في غزة كل حقوقهم إلا تلك التي تنص عليها الاتفاقية، وتمنحهم حقوقهم بنفس المستوى الذي يتمتع به الجميع في غزة، وهو الموت ببطء في سجن مفتوح.

تحرص إسرائيل على فرض نظام فصل عنصري صهيوني مصمم لحماية الوجود الديموغرافي لإسرائيل كدولة يهودية، ولضمان هيمنة اليهود الإسرائيليين على الأراضي الفلسطينية، وذلك من خلال ممارساتها الاستعمارية القديمة الحديثة، من تقسيم وشرذمة الشعب الفلسطيني إلى كيانات سياسية وقانونية مختلفة منفصلة ومشتتة في جميع أنحاء الضفة وغزة والقدس الشرقية والداخل المحتل أيضًا، ومن قمع وتهجير ونفي ممنهج ضد الإنسان الفلسطيني.

ليس وحدهم أطفال غزة من يعانون من قهر الاحتلال الإسرائيلي، فنظام الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني يضطهد الأطفال الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها. فعلى سبيل المثال في الداخل المحتل، ترى أن حصة المدارس الفلسطينية من التمويل والدعم أقل بمقدار ستة أضعاف لكل طفل مقارنة بمدارس الطلاب الإسرائيليين وذلك لأنها غير مستحقة للتمويل من المؤسسات الصهيونية. هذا وسيواجهون التمييز في حق العمل الخاضع لقوانين إسرائيل العنصرية البالغ عددها 65 قانونًا.

يتسبب حرمان الفلسطينيين من حق العودة إلى بلادهم المحتلة، وفتح باب الهجرة على مصرعيه حصرًا لليهود، في دفع أكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني، في مخيمات الضفة الغربية وغزة وسوريا ولبنان والأردن، إلى الاعتماد الكلي على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) للحصول على المساعدات التموينية، مع وجود أكثر من مليون طفل بحاجة إلى المساعدات الإنسانية. يتفرق اللاجئون الفلسطينيون، وجلهم من الأطفال، على 58 مخيمًا ذات كثافة سكانية عالية “فقيرة ومعدومة عمومًا” كما وصفتها الأونروا، وتفتقد لأدنى مقومات الحياة الأساسية، ويعيش أهلها في ضنك العيش وعسر الحال.

يُخضع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي “الأبارتيد” الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية لقوانين وممارسات التمييز والفصل العنصري واعتداءات المستوطنين. يُحرم الأطفال من حقهم في التعليم يوميًا عندما يتم إجبارهم على الانتظار عند نقاط التفتيش الإسرائيلية التي تعطل الحياة وتعرقل حركة السير وتعيق حرية التنقل بين المدن والمؤسسات المدنية. ومن أكبر الانتهاكات التي تمارسها دولة الاحتلال العنصرية ضد حقوق الطفل الفلسطيني في الضفة هي اعتقال أطفال لا تتجاوز أعمارهم 14 عامًا لسنوات على خلفية إلقاء الحجارة. كما حدث الأسبوع الماضي حيث اقتحم جنود مدججون بالأسلحة مدرسة ابتدائية للقبض على طفل فلسطيني يبلغ من العمر 9 أعوام بتهمة إلقاء الحجارة. ولقد تم احتجاز 205 طفل قاصر في السجون الإسرائيلية في نهاية فبراير 2019، وغالبًا ما يتم استجوابهم دون محامٍ وحجزهم في حبس انفرادي.

بلا شك أن اضطهاد الأطفال الفلسطينيين على يد الاحتلال الإسرائيلي ليس مقتصرًا فقط على أطفال سجن غزة المحاصرة، والذي يُعتبر محتلًا بموجب القانون الدولي، ولكنه يقع في سياق أوسع يتجسد في تملص الاحتلال الإسرائيلي من كل مسؤولية قانونية وأخلاقية تنص على حماية أولئك الذين يرزحون تحت وطأة الاحتلال كما هو منصوص عليه في القانون الدولي الإنساني. كيف تدعي إسرائيل حرصها على تحقيق السلام، وهي ترهن أي فرصة للاستقرار الدائم في المنطقة للتوسع الاستيطاني ولكل ممارسات التمييز العنصري التي تسد كل أبواب الأمل والتفاؤل في وجه أطفالنا؟

قُتل أكثر من 195 فلسطينيًا في مسيرات العودة الكبرى منذ 30 مارس 2018، ومنهم على الأقل 41 طفلًا. لا عجب أن كل رصاصة قناص قاتلة، وقنبلة غاز سامة، وقذيفة حارقة تطلق نحو المتظاهرين السلميين في غزة التي تعد أكثر مناطق العالم من حيث الكثافة السكانية وجل سكانها أطفال، يكونوا هم الأكثر عرضة للإصابة بها ومن شظاياها وغازها وموادها الضارة. وبالتالي، فإن كل سلاح أو عتاد عسكري إسرائيلي الصنع يتم شراؤه أو بيعه لإسرائيل يعد مجربًا وجاهزًا لخوض الحروب، لأنه تم اختباره في أجساد الأطفال الفلسطينيين، وما زال يستخدم في قمعهم وقتلهم وقصفهم بلا رحمة أو شفقة.

يحق لعلماء النفس وعلماء الاجتماع والآباء على حد سواء اعتبار مرحلة الطفولة باعتبارها مرحلة ثمينة في براءة وضعف الإنسان، ولكنها أيضا فترة مُنبئة تتشكل فيها شخصية الطفل العاطفية والعقلية والنفسية. لا عجب في أن 95 % من الأطفال الفلسطينيين في غزة أظهروا أعراض تأزم ومرض نفسي كما صرحت منظمة إنقاذ الطفل العالمية.

كيف يكون الأطفال الذين لم يحق لهم بعد التصويت في الانتخابات، هم أكثر ضحايا كارثة إنسانية محاكة سياسيًا؟ وبرغم كل ما يكابده الأطفال في هذه البيئة المضطربة القاسية، وبرغم ما يتعرضون له من شيطنة وتجريد من الإنسانية على لسان السياسيين الإسرائيليين مثل وزيرة العدل “آيليت شاكيد” التي وصفتهم مؤخرًا بأنهم “ثعابين صغيرة”، فهم يواصلون الذهاب إلى المدرسة، ومتفوقون علميًا، وقادرون على الرقص والغناء، وممارسة الفن والرياضة، وإنشاء نوادي الباركور، معلنين حبهم للحياة وتطلعهم لمستقبل أفضل خلف قضبان سجنهم الظالم.

وتنفي هذه الحقيقة الديمغرافية الخاصة بنسبة الأطفال الساحقة من تعداد سكان قطاع غزة الأساطير الشائعة في حروب الكلام والروايات حول تواطؤ الفلسطينيين في مصيرهم المأساوي، وتكشف تورط المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في تدمير أكثر فئة مستضعفة وحساسة وبريئة في العالم.

لم يعد مكافحة التمييز العنصري مجرد التزام أخلاقي فحسب، بل أصبح واجبًا قانونيًا أيضا. وعلينا مواصلة الدعوة إلى مقاطعة كل أشكال تجارة الأسلحة مع إسرائيل، وتشجيع المؤسسات المحلية والدولية على دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS، والضغط على حكوماتنا لدعوة إسرائيل إلى الخضوع لقرارات الشرعية الدولية. فنحن إن لم نحمِ أطفالنا اليوم، قد نفقد صناع السلام الدائم العادل في المستقبل البعيد.

ليس ثمة من سبيل، لمكافحة تعنت النخبة السياسية العالمية، والتخلص من اللامبالاة المستمرة بيننا، وطمس كل الروايات المغرضة المحيطة بغزة، غير إبراز هذه الحقيقة الديمغرافية لسكان سجن غزة، وتسليط الضوء أن الحصار الجائر ليس إلا حصارًا على أطفالها.

عن الكاتب /

عمر عزيز هو مسؤول برنامج في مؤسسة المجتمع الفلسطيني PCF، حاصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية (الشرق الأوسط)، وكاتب في OpenDemocracy و Middle East Monitor وغيرها.

عن المترجم/

محمد عوض

لغوي ومدرس ومترجم فلسطيني مقيم في بريطانيا

حاصل على ماستر في اللغويات والتعليم من جامعة لندن